بأكثر من 80 صورة تستضيف قاعة الفنون بمتحف البحرين الوطني حسين المحروس في معرضه الأول للصور الفوتغرافية.الجديد في هذا المعرض هو أنه يجمع بين ثقافة النص والصورة , لكل صورة نص مقابل للفيلسوف الأندلسي محي الدين إبن عربي وهي تجرية جديدة في مجال التصوير الفتوغرافي شبكة النعيم الثقافية قامت بطرح بعض الأسئلة على صاحب السوق
1. هذا أول معرض لتصوير الفوتوغرافي لحسين المحروس كيف تقيم تجاوب المهتمين والمثقفين للمعرض باعتباره تجربة جديدة تجمع بين النص والصورة؟
ليست هذه التجربة الأولى (للمزاوجة ) بين النص والصورة. فثمّة تجارب أخرى ذهبت في هذا الشأن وكان لها نكتها اللذيذة. فللشاعر البحريني قاسم حداد تجربتان: الأولى مع المصور الفوتوغرافي السعودي المبدع صالح العزاز – رحمه الله- وقد سُمّيت بـ ( الأزرق المستحيل) وصدرت في كتاب، ونشرت على موقع (جهة الشعر) على الانترنت. هذه التجربة جمعت بين شعر قاسم حداد وصور العزاز، ولها صدى واسع جداً في الأوساط الثقافية، ولا يبدو لي أني رأيت تجربة سابقة عليها في المنطقة على الأقل. . والتجربة الثاني جمعت بين قاسم حداد والفنان التشكيلي بوسعد والمغني خالد الشيخ بعنوان (وجوه) وهي رائعة جداً. والتجربة الثالثة بين كلّ من قاسم حداد والفنانين التشكيليين عباس يوسف وعبد الجبار الغضبان بعنوان (أيقظتني الساحرة). لكننا في تجربة (سوق الجنّة) سنجد صور فوتوغرافية حديثة مع نصّ قديم للصوفي والفيلسوف محيي الدين ابن عربي (638هـ) تحاول قدر الإمكان أن تختلف قليلاً لتأتلف كثيراً !! كانت التجربة صعبة نوعا ما، بدل فيها أصدقائي (حمقى السوق) جهداً مضنياً في البحث عن نصوص لابن عربي يمكن أن تشترك معها الصورة في الظلال والتأويل. كيف؟ هذا حديث طويل جداً. ولماذا ابن عربي؟ وما هي آليات استخراج نصوص في أكثر من 16 كتاب لابن عربي؟ كيف فعلها حمقى السوق: باسمة القصاب، وفضيلة الموسوي، وعلي الديري، والمحروس؟ عقباتها؟ نتائجها؟ إحباطاتها؟ لذتها؟ تمكنها منّا، وعدم تمكننا منها؟ الحور الممتع الذي يدور حول كل صورة نضع لها أكثر من نص؟ ما النص الذي ستراه الصورة أو نراه نحن بالصورة ونرى الصورة به؟ لكلّ ذلك سيرة لو كُتبت يوماً !!
كان الجمهور في تلقيه لهذه التجربة يُشبه تعدد الضوء، فتعددت تأويلاته بها. وكما ترى باسمة القصاب: " الصورة ذائقة خاصة، والنص ذائقة خاصة، والجمع بين الذائقتين ذائقة خواص"!! لم يكتف المهتمون بالتجربة بزيارة واحدة لسوق الجنّة، فالنظر للصورة والنص معاً يحتاج إلى تأنٍ خاص جداً. والنظر إليهما منفصلين –ربّما- غير مجهد كثيراً !! وليس هو ما كانت السوق تقترحه.
عملية التقويم تعني أن كلّ شيء حاضر لك وواضح أيضا، وهذا لا يكون؛ لذا سأستبدل كلمة (التقويم) بأخرى أكثر رحابة هي (قراءة). كيف تقرأ تجاوب المهتمين والمثقفين ومحبي الصورة مع هذه التجربة؟ وسوف أحيل السؤال إلى مسئولي مركز الفنون الذين أكدوا أنّ زوار السوق لم يتوقفوا حتى اللحظة، وأنّه تمّ توزيع أكثر من 700 كتاب على الزوار حتى الآن.
2. كم هي فترة الاستعداد لهذا المعرض وما هي الصعوبات؟
صور (سوق الجنّة) اختيرت من ملفات صور1995 حتى يناير 2005 !! ولكلّ جهة في هذا المعرض فترة استعداد. هناك اللجنّة الفنيّة للكتاب الذي صدر مع المعرض، ولجنة الإشراف على المعرض منذ وضعه مقترحاً، ولجنة اختيار النصوص، وفريق إخراج المعرض في صورته النهاية. ولكل وقته وطريقة عمله. والعقبات أنواع بحسب الأصناف في أيّ سوق!! لكنّ أقساها عملية البحث عن النصوص وهي ألذها أيضا!!
3. ماذا عن تجاوب أهل منطقتك ؟
هذه فرصة جميلة لأشكر كل الذين زاروا سوق الجنّة وتجاوبوا معها منذ ليلة الافتتاح. كان تجاوباً رائعاً جداً من نساء ورجال وشباب، وأتمنى أن أرى الآخرين فالمعرض مفتوح حتى 16 فبراير صباحا ومساء. وقد تُمدد فترة العرض بعد 16 فبراير.
4. ما هي الخطوة المستقبلية؟
سأرى ماذا تقترحه الصورة عليَّ، فالصور أشباح !!
5. هناك الكثير من المصورين البارعين غير معروفين في البحرين لم تسنح لهم الفرصة لعرض مواهبهم أو ليس لديهم القدرة المالية على ذلك, ألا ترى من واجب المسئولين في مملكة البحرين رعايتهم والاهتمام بهم؟
لو رجعت لحواري السريع مع الصديق غسان الشهابي في جريدة الوسط لوجدت أنّ ما سألت عنه هو همّ مشترك بين كل المصورين البحرينيين. لقد دعوت الجهات الرسمية إلى الاهتمام بالتصوير كما هو الاهتمام بالتشكيل. ثمّة أسباب كثيرة في هذا التراجع الفوتوغرافي في البحرين على الرغم من كلّ هذه الثقافة في الصورة. منها أسباب اقتصادية كما أشرت أنت إليها في سؤالك. لكن لا يجب تحميل الجهات الرسمية كلّ شيء. ولم تعد وسيلة الانتشار صعبة مثلما كانت سابقا. لقد ظللت فترة طويلة أقيم معارض إلكترونية تعتمد على البريد الالكتروني (إيميل) !! وأتلقى تعليقات المهتمين. هناك وسائل كثيرة للظهور وأخرى للاستمرار في التجربة، وعندما تكون التجربة خصبة لا يوقفها إلا انتهاء الشخص نفسه!!
6- لديك الكثير من المقالات التي قاربت بين الصورة والكتابة. هل يحدث ذلك لأنّك قاص ومهتم بكتابة السير الذاتية؟
سؤالك يقترب كثيراً مني. فعندما تخلو الكتابة من الإنساني لا يكون بقاؤها طبيعياً . وعندما تخلو صورة فوتوغرافية من الإنسان أو من رائحته لا مكان لها في غير مقبرة ذاكرة مصوري الإعلانات التجارية . إنّ الصورة التي لا تراقص العينين ، والكتابة التي لا تكون على حافة الجنون ، كلاهما شبهة .
بدأت الصورة الفوتوغرافية الفنية تبتعد عن الاكتمال البصري الذي اعتادت عليه تحت رغبة الباردين . أعني الاكتمال في تقديم الإجابات ، وجعل الأشياء تنتهي بصرياً . لتبدو الصورة هي كل ما هو أمام عينيك فقط . لا شيء فيما بعدها . لا تتجاورز هذه الصورة حدود الأشياء فيها . الشجرة لها حدود ، والانسان له حدود ، الحيوان له حدود ، كل شيء في الصورة المكتملة محدد لا يمتزج بغيره ، وكأنّها صورة من عالم آخر . لكن ماذا عن الصورة التي لا تكتمل حدودها إلا فينا فلا تعرف حينها أهي صورتك أم صورة إنسان آخر ؟ وهذا الوجه وجهك الذي تجاوزته أم وجه غريب ربما شاهدته يوماً ؟
الصورة الفوتوغرافية لا تكون إنسانية حتى تتحوّل إلى حالة غير مستقرة ، لا تتوقف عن طرح الأسئلة على قانصها وقارئها. هي ليست حالة إجابات خاملة كما في الكتابة ذات النهايات المزعومة ، بل مولداً دائماً للأسئلة البصرية التي تتسع باتساع العيون . في الصورة المكتملة تختفي الرؤية . وفي الكتابة المكتملة لا مكان للجذوة .
مادام تاريخ الصورة ممزوجاً بتاريخ الكتابة ، والعكس فلماذا نحاول إحلال الاكتمال فيهما ؟
بدأ تاريخ الصورة قبل تاريخ الكتابة بقرون . كان الإنسان يكتب بالصورة في الكهوف وعلى الجلود وأوراق الأشجار . وسجلت أوّل قضية في الكون بسبب صورة ثمار في شجرة . وقبل أن تكتمل هذه الصورة في الجنة حدثت الغواية ، وبدأت صورة أخرى لآدم وحواء على الأرض . لكنها أيضاً صورة لم تكتمل إذ بدأ تاريخ الأذن في خطواته الأولى قبل ان يتحول إلى الكتابة .
كان الإنسان يسمع أكثر . يحفظ أسرع . لم يكن يدوّن أقوالا على غير ذاكرته . لم تكن الكتابة قد مسته بعد بينما الصورة حاضرة في كلّ مكان . وعلى الرغم من ذلك كانت ثقافة الانسان ثقافة أذن غير مكتملة ، وثقافة عين غير مكتملة . لذا كانت الأذن أهم من العين ( يا ناسُ أذني لبعض الحيّ عاشقةٌ ) . كانت الكلمات تحمل قوة عظيمة . قوة سحرية على الحقيقة لا المجاز . ومع جبروت هذه القوة كان الإنسان لا يعرف إلا ما يتذكره فقط ! لم يكن يملك سوى عتبة واحدة من عتبات الحواس . السمع . كلّما اقترب كلّما سمع أفضل . ليست هناك مسافة دنيا لتوقف هذه الحاسة . لذا بدت الصورة أمامها تتراجع .
وبعد زمن طويل غيرت الكتابة غير المكتملة وعي الإنسان أكثر من أيّ شيء آخر . كاد يجنّ عندما رأى الكتابة تنفصل عنه حالما يفرغ منها . لم ير ذلك من قبل !! . رأى أنّه بدأ يقلل من شأن الذاكرة . رأى أنه عندما يكتب يعمل جسمه كلّه . لكنّ جسمه كلّه تحت سيطرة " الأنا " . رأى الكلمات المنطوقة تفقد كلّ سماتها عندما تصير مكتوبة . صارت واقفة بذاتها على هذه الورقة . صارت صورة .
زادت الانقسامات في الحواس فصارت الصورة تحضر في كلّ شيء إلى جنب الكتابة . تثغّرت الحدود بين المفاهيم وبدأت تتداخل .. غدت المفاهيم نسبية فلم تتوقف الصورة عند المفهوم الذي وضع لها بل تجاوزته ، كما تجاوزته القراءة . صار رأيي المتماهي مع النص نوعا من القراءة . ورأيي المناهض والمتجاوز لهذا النص قراءة . عندما أقرأ نصّا فأنا أكتبه . أعيد كتابته . أنا أكتب نصّي بكل رغباتي وترحيبي وقمعي وشبقي !! عادت الصورة المقرؤة / المكتوبة . غادرت الجدران والكهوف والجلود إلى الورق وشاشات العرض فصارت الأشكال مضامين . صار القشر لبا . صار قرّاء الصورة سطحيين من شدّة عمقهم . في لحظة واحدة تعبر الصورة عن معناها لكنّه معنى لا يكتمل منفصلاً عن ذاوتنا حتى غدت الصورة الواحدة صوراً بحسب الذات التي تحلّ فيها . تحظر الصورة مع الكتابة فنلحظها قبل الكتابة . غدت الصور تحمل أبعاداً أخرى إلى جنب الجمالية . تحمل أبعاداً أيدلوجية يعمل قليل من الإيحائية على تعميقها . ثمّة صور تجاوزت صور أصحابها . صور مقدّسة . لا علاقة للسيد المسيح بهذه الصور المنتشرة له ، ولا علاقة للإمام الحسين بن علي بهذه الصور التي تزينها هالة قدسية . يرسم الإنسان صوراً للذين لم يرهم حتى يشعر باكتمال صورهم في نفسه .
بعض الصور المعروضة
|