يجمعني مع العلي أننا كلانا خرجنا من الشارع... وأمي علمتني الحكمة
الكاتب المهدي: سأقف على الرصيف إن لم أضمن استقامة أفكاري
الوسط - إيمان عباس
للأقلام الأدبية في حياتنا اليومية أنواع، فهناك قلم يصقل مواهبه وهناك قلم يصنع مقالبه (فكاهي)، وهناك قلم أجير وقلم أسير... ولكنها جميعها تشترك في كلمة واحدة وهي «الفكرة» وإن اختلفت أنواعها وأهدافها، والتي منها تسطر الكلمات التي في أحيان كثيرة تشعر إزاءها بالتحضر وآخر بالتحسر وآخر بالتحجر. والفكرة كما يقال هي بداية العمل فلو صلحت صلح معها وان ساءت جلبت السوء لصاحبها.
من تلك الأفكار المتعددة الأنواع والأهداف ما يخرج لنا على هيئة نصوص درامية تجسدها شخصيات حقيقية، فترسم لنا حياة واقعية تعرضها القنوات الفضائية، فلم تمضِ علينا إلا أسابيع قليلة عن رحيل شهر رمضان المبارك عنا، إذ كان محملا بأعمال كثيرة جسدت «أفكارا» مختلفة لكتاب بحرينيين وخليجيين وعرب تنافست فيما بينها لتسيطر على فكر المشاهد العربي طول شهر بأكمله، فكانت الغلبة دون شك لتلك الملامسة للواقع والقريبة مما يعيشه المشاهد.
بحرينيا كانت هناك العديد من «الأفكار» المميزة والتي صاغتها أقلام بحرينية مبدعة وجسدت نصا دراميا رائعا، والتي منها أفكار الكاتب البحريني الشاب والمبدع حسين المهدي، الذي سطر بكلماته نصوصاً رسمت له وللمشاهدين «شوية أمل» في سماء الدراما الخليجية، فسعى من خلال نجاحه الأول ليحقق ذاته رافعا شعار «أكون أو لا أكون»، فاعترضته عوامل لتحبط «أفكاره وآماله»، فدخل في صراع معها وتحداها فنجح، فعاهد نفسه بأن يحارب من يسعى لإخماد أفكاره حتى «لو باقي ليلة».
«الوسط» كان لها فرصة لتجول في «أفكار» الكاتب حسين المهدي، فكان هذا اللقاء:
بعد نجاح مسلسلي «شوية أمل» و»أكون أو لا» جماهيريا، كيف تقيم أنت كمؤلف نجاح مسلسل «لو باقي ليلة» الذي عرض في شهر رمضان على قناة «أبوظبي»؟!
- لا أستطيع أن أقيم نجاح أو فشل العمل باعتباري أحد أعمدته، لكن لكل عمل نكهته ولونه وجماهيره... وقد اخترت التنويع في أعمالي مع الحفاظ على وحدة المنطق المتبع في جلها... جماهيريا لقد لاقى «لو باقي ليلة» متابعة عالية جدا، ولكن ذلك ليس مقياسا للنجاح. أما «أكون أو لا» فقد كان عملاً مجتمعياً وليس اجتماعياً وهناك فرق كبير بين النمطين. وفي اعتقادي فإن المشاهد في منطقتنا يميل للأعمال المجتمعية وليس الاجتماعية، يبدوا أننا سنستمر في طرح النوع الأول.
كثير من الجمهور تحدث عن بداية قوية للعمل، ولكنه أخفق في الحلقات الأخيرة، ترى هل هذا صحيح؟! وما هي الأسباب؟
- في الواقع العمل وقع ضحية واقع الإنتاج في الخليج، وصار ضمن شد وجذب قوى التسويق والإنتاج، كذلك ضعف التحضير الذي لا يتحمله كادر العمل برئاسة مخرجه، ولكن تتحمله الظروف التي أدت لاضطرار المخرج للعمل خارج الأرض التي تعود اللعب عليها في ممارسة فنه.
ربما تكون الأسباب التي ذكرتها هي ما دفعتكم للاعتراف بـ «الإخفاق» في مسلسل «لو باقي ليلة»، حسبما ذكر عدد من المواقع الإلكترونية، فهل هذا صحيح؟!
- أنا لم أقل بأن العمل فشل، بل قلت إن العمل كان دون توقعات الناس منا ككادر قدم أعمالاً لاقت أعلى ترحيب من جمهورنا الذي نقدره كثيرا... ولقد أدت لخبطة الإنتاج إلى أن نقدم عملا ليس بالمستوى المطلوب منا... والجميع يعلم بأنني في تجربتي مع توأمي الفني علي العلي نعاني من صعوبات ومعوقات توضع في طريقنا في كل عمل ولقد بلغت تلك المضايقات حدا أثر علينا في «لو باقي ليلة».
في السابق كان المشاهد الخليجي يتابع المسلسلات لأبطالها، أما حاليا فهو لم يعد يهتم بالأبطال وبدأ يبحث عن اسم المؤلف والمخرج، هل هذا صحيح؟!
- هذا الطرح صحيح جدا، ولذلك تجربتنا قائمة على ركيزتين الركيزة الأولى ان الأساس هي القصة والفكرة وقوة السيناريو والثانية أن يكون الإخراج مستجمعاً أدواته وروعته الإبداعية بما فيها اختيار الأبطال والممثلين الجيدين والمميزين بعملهم لا بأسمائهم فقط.
ما الذي يجذب المشاهد الخليجي، وماذا يريد من الدراما من وجهة نظرك؟!
- المشاهدون أنواع مختلفة وتوجهات شتى، وبالتالي عوامل الجذب هي الأخرى متنوعة. أما في تجربتنا فقد قدمنا ألواناً مختلفة ولكن أغراضها ومراميها دائما تصب في الغالب في قضايا إنسانية.
نجاح الثنائية مع علي العلي ترى ما هي أسبابها؟!
- قد أوصف بأني مضحك في إجاباتي لو قلت لك إن الذي يمسك بخيط تجربتي مع هذا الفنان أن كلانا خرجنا من الشارع!
هل سيستمر هذا التعاون فيما بينكما؟!
- لم نحقق إلى الآن ربع ما تعاركنا من أجل أن نحققه واتفقنا على انجازه سيستمر القتال من أجل أن نرضي أنفسنا وجمهورنا ولنرحل بسلام بعدها.
هل لك تجارب في الدراما الخليجية دون علي العلي؟!، كيف تقيمها؟
- لحد الآن ليس لي تجارب أخرى، ولكن هناك الكثير ممن اقتربوا من نصوص حسين المهدي ولكنهم وجدوا أنفسهم في ورطة «روحية النص» التي لم يفهمها سوى العلي حتى الآن.
من الأعمال إن صح التعبير الأحادية من قبلكم دون علي العلي مسلسل «سكن الطالبات»، ما هي طبيعة الخلاف حول هذا العمل، خصوصاً وأن هناك من أشار إلى أنكم طلبتم حذف اسمكم من تتر المسلسل وهو للمخرج البحريني حسين الحليبي؟
- هذا العمل تم الإساءة إليه من قبل كاتبة كويتية كانت تريد تلطيخ اسمي في أعمال لا تناسب ذوق جماهيري الذين أعمل من أجلهم، ولذلك بعد تعديله من قبلها رفضت أن أضع اسمي عليه. وبالنسبة للمخرج الحليبي فهو زميل ولديه طموح ولا دخل له بما حصل من خلاف مع منتج المسلسل المذكور.
عودة للثنائية، هل هناك عمل قادم ينتظر المشاهدين؟ حدثنا عنه.
- هناك عمل يطبخ الآن على خشب مشتعل وستطلع عليه وسائل الإعلام متى ما جهز.
الكثير من الثنائيات الناجحة نجدها تستمر لفترة بسيطة ثم تغيب، ترى لماذا؟!
- لأنها تسير دون هدف أعلى تنوي الوصول إليه.
لماذا لم تفكرا في نقل نجاحكما كثنائي للمسرح؟!
- بصراحة لا أجد نفسي في هذا المجال.
من وجهة نظرك إلى أين وصلت الدراما البحرينية مقارنة بنظيرتها الخليجية؟!
- في انحدار مستمر بسبب إهمال الجهات المسئولة وعدم دعمها لعملية الإنتاج الفني... هؤلاء القوم يعتقدون أن الساعة ستعود للوراء... لا أحد يستطيع السيطرة على الأفكار، بل عليهم أن يعرفوا أن من يسيء إنما يسيء لنفسه وأنهم ليسوا وكلاء على أحد من الخلق.
خليجيا... ما هي جنسية الدراما المتصدرة؟
- لا يوجد دراما متصدرة، فزمن الدرامات المرتبطة بجغرافيا الدول المنتجة انقرض وولى... فكل كادر يقدم عملاً مهماً سيكون متصدراً لان الحياة أصبحت منفتحة على بعضها لدرجة عدم الخصوصية.
من وجهة نظرك، ما الذي تعانيه النصوص الدرامية الخليجية؟
- عدم وجود كتاب يحملون فكراً ليطرحوه بمنطقية... ومنشأ ذلك أن الكثير منهم لم يثقفوا أنفسهم أو يتعلموا أكاديميا فن كتابة القصة والسيناريو.
ماذا ينقصنا، خصوصا وأننا نملك مبدعين من مؤلفين ومخرجين وممثلين، على ألا نستطيع أن نحقق نجاحات كبيرة كتلك التي تحققها التركية والمكسيكية؟
- من قال إننا لا نحقق نجاحات توازي الأعمال التركية والمكسيكية؟!، في الواقع نحن نحتاج أعمالاً تحقق تأثيراً إيجابياً في نفوس مشاهدينا، وهذا ما ينقصنا أن عدد المشاهدين المرتفع أمر جيد، ولكن العمل الناجح يقاس بمدى تأثيره في الناس على المدى القريب والبعيد... لا نريد أن ننزلق إلى استخدام عوامل جذب تخالف منطلقاتنا وديننا ومثلنا الأعلى... إن النجاح يصبح فشلا عندما يداس على القيم أو أن يتغاضى عنها بالالتهاء بطرح عوامل كالإثارة والجنس واللعب على هذه الأوراق التي تفقد الحبكة الدرامية نضجها الفكري وتوازنها باعتبارها قصة لها هدف إنساني لا حيواني، فأي شيء ليس له هدف إنساني فليس بعلم وليس بفن وليس بذي قيمة.
لماذا يصر المنتجون على أن تكون الأعمال الدرامية 30 حلقة، ألا يضر هذا بالنص الدرامي؟!
- يضر كثيرا... وإصرارهم دائما من أجل النقود.
شخصيا هل تتلقى عروضاً من شركات الإنتاج للتوقيع على أعمالك؟
- في تجربتي أشعر بضغوطات كثيرة للتوقيع على عقود جاهزة بمبالغ مغرية، ولكن أنا لست ملك نفسي أنا ملك هدفي الأعلى في الحياة... لا أريد أن أرضي نفسي على حساب هدفي... هذا ما ابنيه لعائلتي عندما أرفض عقوداً كثيرة من شركات كبيرة في الكويت ودبي... وألقى دائما التشجيع على مواصلة مشروعي الفكري. كذلك لن أنسى زوجتي أم علي فتحملها وتحريضها لي دائما على الصدق في أعمالي فعائلتي وبيئتي وقريتي ووطني هم من يجبروني على الصدق دائما في أعمالي.
من هو دليلك للنجاح والحس الدرامي؟!
- أمي، فلقد عشت معها طفولة درامية وتنقلات كثيرة حتى أني سكنت في 7 قرى بحرينية طوال فترة طفولتي، كما أنني عشت اليتم دون أن أفقد أبي... والتقيت بأناس كثر، أحببت الكثير من القيم وأثرت بي الجيرة والنكهة البحرينية المختلفة... ثم أني كبرت سريعا فنيا برحيلها... كبر إحساسي وكبرت مداركي وتعتقت المفاهيم في صدري وشاخت، حتى أني مازلت ارتكز على الكثير من كلماتها في أعمالي ودائما أكررها لأني أرى فيها حكمة عجنها الألم والزمن، فقد كانت تردد «الدنيا ما تسوى يا ولدي».
من هو كاتبك الذي أثر فيك؟
- لقد قرأت كثيرا وأثر في أفكاري الكثير من الكتاب الغربيين واليونانيين بالذات، ولكني بنيت منطلقاتي الفكرية من قيم ديني التي وجدتها في لحظة ضلالة عندما بدأت الاطلاع على آراء الفيلسوف الكبير السيد محمد باقر الصدر (رحمه الله)... وجدتها أقرب إلى وجداني وتعالج التشنجات الفكرية التي أعانيها بوصفي كاتباً منشغلاً في الكتابة ولست هاوياً... قد لا تعلمون حجم المعاناة التي أعانيها جراء هذه النفس، وبالتالي كمية العلاجات التي استخدمها، ومن هنا فإنني أحاول أن أحافظ على نظافة منطلقاتي الفكرية من أجل أن أقدم فكراً نظيفاً ونقياً لجماهيري... قد انقل لكم حروبي الداخلية من أجل تحذيرهم من الانخراط في أتونها... نفوس هؤلاء البشر أمانة لا يجب تعريضها لأفكار خاطئة أو شريرة... انه صراع مؤلم ومرير للصعود إلى المثل الأعلى... هناك حيث سأعرض ما قدمته أمامه... مع اعتقادي أن كل إنسان مسئول بالكامل عن ما يقدمه في مسيرة حياته... أريد أن أتوافق في طرحي باستقامة مع الطريق الذي أسير فيه إلى مثلي الأعلى... أخشى من التناقضات والأخطاء والتأثير السلبي كالوقوع في عوامل الجذب السيئة وإيقاع الآخرين فيها والدعوة لها بغير قصد، هذا ما أخافه في مشواري، وإن حدث ورأيت نفسي أسير بغير استقامة على طريق مثلي الأعلى، فإني سأفضل الوقوف على الرصيف ومشاهدة المارين.
أسطر أخيرة تريد أن تحيي بها جمهورك؟!
- نحن نستغل آلامكم ونرسم بالشاشة أمانيكم ونعتاش على مفارقاتكم في الحياة ونفرح بتضحياتكم ونتلذذ بإنسانيتكم... دققوا في أعمالنا ستجدون أنفسكم فيها، امنحونا الثقة كي نغامر بذكر واقعكم، وشكراً لكم.
|