قالوا

 يعيش الجميع اليوم عصر الثورة المعلوماتية التي تنتشر فيها الأفكار و المعلومات بسرعة و سهولة من و إلى أي بقعة من بقاع العالم، و لكن ما فائدة هذا الكم الهائل من المعلومات في ظل هيمنة رأي واحد و فلسفة واحدة على نوعية هذه المعلومات، و أعني بذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تعكس بمثل هذه الأفعال حقيقة العالم الذي تمثله و تريد في نفس الوقت.

الأستاذ علي السكري
من الذي صام؟ الدرازيون أم النعيميون؟   |    في ذمة الله الشَّابة زهراء عبدالله ميرزا صالح   |   ذمة الله تعالى الحاجة جميلة حسن عبدالله    |   على السرير الأبيض الحاج خليل إبراهيم البزاز أبو منير    |   برنامج مأتم الجنوبي في ذكرى ولادة السيدة الزهراء    |   في ذمة الله حرم الحاج عبدالله سلمان العفو (أم ياسر)   |    في ذمة الله الطفلة زهراء جابر جاسم عباس   |   نبارك للأخ الطالب محمد حسن علي ثابت حصوله على الماجستير في إدارة الأعمال    |   رُزِقَ الأخ عبدالله علي آل رحمة || كوثر || 12/12/2021   |   دورة تغسيل الموتى    |   
 
 الصفحة الرئيسية
 نبذة تاريخية
 أنشطة وفعاليات
 مقالات
 تعازي
 شخصيات
 أخبار الأهالي
 إعلانات
 النعيم الرياضي
 تغطيات صحفية
 ملف خاص
 خدمات الشبكة
 المكتبة الصوتية
 معرض الصور
 البث المباشر
 التقويم الشهري
 أرسل خبراً
 اتصل بنا
 
تغطيات صحفية
 
عمارة رقم 269..غرفة الشرفة.. ثلاث فتيات وزجاجة عطر
حسين المحروس - 2008/03/24 - [الزيارات : 3024]

عمارة رقم 269
غرفة الشرفة.. ثلاث فتيات وزجاجة عطر

الوقت - حسين المحروس:

العدد 762 الأحد 15 ربيع الأول 1429 هـ - 23 مارس 2008

- ماما.. عندما نحصل على بيت جديد أريد سريراً لي وحدي، عليه غطاء جميل، ألعابي مرتبة.. وأريد أيضاً زجاجة عطر.. أكثر من زجاجة عطر مصفوفة جوار السرير.
- سنحصل على البيت قريباً.
- والعطر؟
- والعطر أيضاً يا ماما.
هذه أمنية الطفلة زهرة ، عمرها إحدى عشرة سنة، وتلك تهوينة أمها نعيمة، عمرها(38 سنة) الحامل في شهرها السابع. تنتظر أمرين: مولودها الخامس، وطلب العائلة في وزارة الإسكان منذ 9 أغسطس .1982 الأوّل ينمو والثاني لا أحد يعرف. الأول طبيعي جداً والثاني لم يعد طبيعياً. لكل واحد منهما ملف في رفّ ما. لكلّ واحد منهما أوجاعه، الأول في الخاصرة والثاني أعلى الخاصرة جهة اليسار. لكلّ واحد منهما مشيمة الأولى رقيقة من لحم ودم والثانية من عظام. تكوينهما معقد جداً لكن حتماً سيأتي الأوّل قبل الثاني بالسلامة.
الشقة «24»
المكان شقق إسكان مدينة عيسى، العمارة رقم (269). قالت الأخت الكبرى تقدّم أكثر ثمّ انعطف يميناً.. تقدّم أكثر أنا أراك الآن هل ترى إشاراتي؟ يمكن إيقاف سيارتك هنا. نحن في الدور الثالث، وبالتحديد في شقّة رقم (24)، لا تنس أن تطرق الباب بيدك، ليس للشقة جرس.
تتساوى العمارات في الشكل، وحجم الأرقام الزرقاء عليها، وفي إغلاق الشرفات (البلكون) بصفائح الخشب ( plywood) وفي أن الساكنين فيها بحرينيون، وتتشابه أيضا في الرائحة عند مدخل كلّ عمارة. استقبلتني هاشمية الابنة الثانية من الزوجة الأولى- رحمها الله- لحسن السيد شرف البالغ من العمر (60) عاماً. جدران الشقة مصبوغة على عجل، أو ربّما صبغها شخص لم يمسك فرشاة الصبغ من قبل، فضربات الفرشاة ليست في جهة واحدة. قالت الأم نعيمة، الزوجة الثانية تعاونت مع جارتي فصبغنا جدران الشقة في يوم واحد. وفي اليوم الثاني صبغنا شقّة جارتي. هل تعرف أن مزاجي ومزاج أولادي الأربعة تغيّر بعد صباغة الشقّة؟ جهاز تلفزيون، جهاز التسجيل الثاني حديث، جوارهما كتب مختلفة، كتب مدرسية، صور أطفال، ملفات كثيرة، لوحة من الصدف البرّاق كتب فيها الصبر مفتاح الفرج، حصالة نقود، جدول مواعيد امتحانات عليه ختم وزارة التربية مثبت على لوح الجانب الأيسر من المكتبة، طاولة عليها جهاز كمبيوتر، جوارها طاولة أخرى تتناوب عليها الطالبات الثلاث للدراسة، ولكي الملابس عندما ينام الجميع، وفي الصباح يسرّح الطفل الذكر الوحيد من الزوجة الثانية إبراهيم، عمره (16 سنة) شعره قبالتها.
في الشقة جلستُ مقابل ثلاث طفلات: زينب عمرها (17 سنة)، طاهرة عمرها (14 سنة)، وزهرة عمرها (11 سنة)، جوارهن الحفيد الطفل علي عمره (8 سنوات قال الله.. الكاميرا التي معك كشخة ثمّ عاد يواصل اللعب في آلة إلكترونية. تحدثت معهن قبل أن تأتي الأم نعيمة، ثمّ الأب المتعب، إلا أنّه لا يبدو أنّه في الستين من عمره، فليس في شعر رأسه غير شعرات بيض معدودات. لم يبد أنّه مرّ بأزمة المكان، ولا بالشكوى اليومية منه، أم أنّه كما قال لا أحمل الهمّ معي، أضعه جانباً وأتجاوزه ما استطعت؟
تتألف الشقة من حجرتين، صالة، مطبخ في زقاق وضعت فيه الغسالة جوار الثلاجة، جوارها ثلاجة أخرى قديمة، يقابلها الفرن عليه ما بقي من الغداء. الممر بينها لا يسمح بمرور اثنين في آن. في وسط الشقّة حمام، وفي آخرها شرفة ما عادت شرفة، صارت غرفة نوم رسمية.
من سيرة السيد
لم يكمل حسن السيد تعليمه المدرسي النظامي، غادرها ولم ينه الصف الرابع الابتدائي. غادر المدرسة ليعمل في البناء مساعداً «كولي». تزوج في قريته التي جاء منها، توبلي القديمة جنوب المنامة. عندما وصل سن الخامسة عشرة قال له أبوه، وقد مرّ جواره يلعب مع الأطفال في البيت لا بدّ أن تتزوج . لم يمض على الوقت كثيراً حتى وجد حسن السيد نفسه في فرشة العرس مع ابنة خاله السيدة . يقول ظللت معها شهراً كاملاً لا أعرف ما هو المطلوب مني حتى شرح لي رجل دين في القرية مهماتي، وواجباتي . كانت عائلته الصغيرة الجديدة تسكن في بيت العائلة الكبير. أنجب منها طفلين قبل أن يغادر توبلي في العام 1980 إلى شقته الجديدة في إسكان مدينة عيسى. كان أوّل الساكنين فنُعت بالعمدة عمل العمدة في وظائف عديدة: مساعد بناء، مفصّل حديد، سمكري، سائق، بائع في برادة.
الطلب رقم «3238»
تُثبت وثيقة إدارة التمليك والقروض الصادرة عن وزارة الإسكان أن السيد حسن السيد شرف السيد محمد قد تقدّم في التاسع من أغسطس 1982 بطلب للحصول على بيت كان رقم الطلب ,3238 وعنوان العمل: برادات بثينة، سائق، عنوان المنزل: شقة ,24 بناية ,19 طريق 1310 مدينة عيسى. توقيع الموظف المختص. لم يكن في وثيقة الطلب الرقم الشخصي، لم يكن يستخدم حينها. على يمين الوثيقة ثبتت صورة الشاب السيد حسن بالأسود والأبيض. حاجبان عريضان، زلفان، وجه ممسوق، شارب أسود، دقن محلوق استعد للتصوير. كان شعر الرأس طويلا مرتفعاً، وفي زاوية الصورة ختم وزارة الإسكان. وعلى الرغم من صغر حجم الوثيقة كانت باعث الأمل في العائلة التي ما عاد المكان يسعها.
بعد عشر سنوات على سكن العائلة الجديد زاد مرض السيدة فتزوج العمدة من امرأة أخرى نعيمة المولودة في العام .1969 تزوجها في العام ,1992 وأنجب منها أولاداً فضاقت الشقة. تقــول هاشمية كنا (11) شخصاً في هذه الشقة، ليس لأحد مكان خاص غير أبي مع زوجته الجديدة. كنّا ننام في الصالة فلا يستيطع أحد فتح باب الشقّة.
قررت نعيمة أن تراجع وزارة الإسكان بنفسها فكان العمدة يمنعها. تقول نعيمة كان لا يقبل أن أفعل ذلك؛ لأنّه يزعم أنّه يخاف عليّ وأنّه يحبني تقول ذلك وهي تبتسم، تختلس نظرة إليه فلا يرفع العمدة رأسه. كانت الجملة المخدرة المسكّنة سوف ننظر في الأمر تصدر من الموظفين لنعيمة كلما راجعت نتائج الطلب الثمانيني القديم. تفاجأت عندما قيل لها إنّ هذا الطلب ملغى منذ عامين. احتجّت نعيمة بهدوء، كظمت غيظها وعادت.
الطلب رقم «1305»
تُثبت وثيقة إدارة التمليك والقروض الصادرة عن وزارة الإسكان أن السيد حسن السيد شرف السيد محمد قد تقدّم في الحادي من ديسمبر 1993 بطلب للحصول على بيت كان رقم الطلب ,1305 وعنوان العمل: شركة خدمات الصناعات المحدودة، موظف عنوان المنزل: شقة ,24 بناية ,269 طريق 1310 مدينة عيسى. نوع الملكية إيجار، البطاقة السكانية (480107173)، توقيع مدير إدارة التلميك والقروض. على يمين الوثيقة ثّبتت صورته وقد صار عمره (45 سنة). صورة ملونة، امتلأ وجهه، وغادره الزلفان، وهبط شعر رأسه. صارت نعيمة واثقة هذه المرّة، تراجع وزارة الإسكان بطلب جديد، أكيد، مضمون، لا يمكن تكذيبه مادام فيه الرقم الشخصي الجديد. صارت جملة إدارة الإسكان الجديدة الطلب في قسم الدراسات. ومنذ ذلك اليوم والطلب في قسم الدراسات.
الغرفة الشرفة
كبر الأولاد وصار لابد من تفريق الذكور عن الإناث في الفراش. لكن لا مكان. فجاءت بطولة الشرفة البلكون، حوّلها العمدة إلى غرفة لبناته الثلاث من زوجته نعيمة. هل ستنام البنات إلى جوار أنابيب الغاز؟ لا يوجد متسع للتفكير في خيار آخر. أغلق العمدة الشرفة بألوح الخشب فيها نافذة صغيرة جداً. صارت الشرفة غرفة. فُرشت ثلاثُ مرتبات من الأسفنج على الأرض جوار أنابيب الغاز، أحضرت خزانتا ملابس واحدة كبيرة والثانية صغيرة، علقت سبورة بيضاء في الجهة الثانية. لكن أين تضع الفتيات الثلاث ألعابهن؟ لا مكان في الأسفل. لابدّ من الاستفادة من الجزء الأعلى من الشرفة الغرفة فوضع رفّ لا تصل إليه أيدي الفتيات الثلاث، رتّبت عليه الألعاب: دببة مختلفة، أرانب، دمى فتيات جميلات مبتسمات، فئران قطنية جوارها قطط مسالمة. كانت الفتيات: زينب، طاهرة، زهرة يحاولن نسيان أنها شرفة ويثبتن أنها صارت غرفة أطفال بالفعل، يستقبلن صديقاتهن فيها دون حرج. وعندما تنسى إحدهن أنها غرفة أطفال تقدم احتجاجا إلى أمها. تقول نعيمة كنت أتعب عندما تقول لي وحدة منهن مستنكرة : أنت أم؟ لو كنت أماً لخفت علينا ولم تتركينا ننام جوار أنابيب الغاز. كل ما أفعله أنّ أعيد تنشيط الأمل في العائلة لا أكثر. لكن إلى متى؟
كلّما تزوّج أحد أولاد الزوجة الأولى السيدة التي توفيت في العام 2000 تنفّس المكان في الشقة. وما إن تقدم شاب إلى البنت الكبرى حتى قبلت به وغادرت الشقة. الكل مهموم بالمكان. الذكور غالبا ما يكونون خارج الشقّة.
النظر في المكان
عاد النشاط إلى نعيمة فراحت تتابع من جديد الطلب الثاني، تحمل رسائل مكتوبة، توصيات من هنا وهناك، دخلت على موظفين، عاصر الطلب وزراء ومديرون، وتغيّر شكل الورق ولونه، إلا أمنية العائلة ظلت دائما على حافة من الأمل. وبعد إجراءات وتحولات كثيرة في وزارة الإسكان ألغي إيجار الشقة عن العائلة. تقول هاشمية لم تكن المشكلة في دفع الإيجار، المشكلة في المكان، لكنهم لا يدركون.
ملّ العمدة الكلام في هذا الموضوع أم تعب لا أعرف. غادر الجلسة ليتابع حلقة جديدة من المصارعة الحرّة في تلفزيونه المقابل لسرير نومه. قالت طاهرة أنا أستقبل صديقاتي في غرفتنا في الشرفة. هن يعرفن أنّها شرفة فلا يسألن لكن بعض صديقات زينب سألنها غير مرّة أليست هذه شرفة؟ أما زهرة فكثيراً ما كانت تحلم فتحدّث أمّها عن سرير واسع خاص بها، عليه غطاء جميل، جواره ألعابها، جواره منضدة صغيرة عليها زجاجة عطر، أكثر من زجاجة عطر.
لم تكن العائلة الوحيدة التي جعلت الشرفة غرفة. لا أحد في هذه الشقق بمدينة عيسى ينظر من الشرفة. لم تعد للهواء والنظر. صارت غرفاً صغيرة للنوم بانتظار انتهاء قسم الدراسات في وزارة الإسكان من النظر.

http://www.alwaqt.com/pdf-browse-files.php?pid=31701&i=762&f=alwaqt&p=2

 

طباعة : نشر:
 
جميع المشاركات تعبر عن رأي كاتبها
 
الاسم التعليق